حسن حطيط " إكسير الحياة : بين الحقيقة و الخيال!"
د. حسن يوسف حطيط *
لم يعرف الإنسان همّاً قطّ كهمّ الموت و لم يعرف أملاً قطّ كطول العمر و لم ينشغل منذ أول وعيه إلى حين وفاته بشيء مثل البقاء و لم تخطر بباله فكرة مثل فكرة الخلود و لم ينبهر بشيء مثل انبهاره بأسطورة إكسير الحياة!. إنه الإنسان, بكل آماله و أمانيه و أحلامه و أوهامه و خيالاته يسعى لإيجاد مايجعله دائم الشباب و النشاط, خالياً من الأمراض و العاهات, سالماً من كل آفة, قوياً, صلباً, لا يهدده ضعف و لا سقم و لا زوال!. إنه الإنسان, لا يتورع عن فعل أي شيء, و لا يقف عند أي حدّ, و لا يرتضي بأي ثمن, حتى يجد ما يشبع رغباته و نزواته و يحقق أمانيه و أحلامه و يزيل همومه آلامه و يلاقي ضالته القديمة المتجددة دوماً : ألبقاء خالداً إلى ما لا نهاية!.
ظنّ الإنسان, في البدء, أن هناك سرّاً ما أو أن هناك وسيلة ما أو أن هناك شراباً أو طعاماً او نباتاً أو خلطة سحرية ً تفعل فعلها فيطول العمر و يعود الشباب و يتجدد النشاط و يبتعد الموت!. و صار يبحث عن أي شيء في غذائه أو في تجاربه الشخصية أو في ذاكرة آبائه و أجداده أو في تراثه و ثقافتع عما يلبي طموحه هذا و يحقق رغبته الملحة و يتخلص من همّ الضعف و الشيخوخة و الفناء!
و جاء الأنبياء و الرسل أرسوا مفاهيم الحياة الدنيا و الحياة الأخرى و العبور من الضفة الأولى إلى الضفة الأخرى عبر الموت و رسموا للإنسان سبيلاً مستقيماً لا يمر إلى الخلود و السعادة إلا من خلال الموت و الرحيل عن هذه الدنيا و وضعوا له الخطوات اللازمة لتحقيق ذلك من دون تعب و شقاء و من دون تضييع أو تأخير!. لكن الإنسان ظلت تراوده الفكرة القديمة و راح يصنع لها حللاً جديدة من قبيل البحث عن أساليب الحياة المثلى و طرق إطالة العمر و تحسين نوعية النسل البشري و التخلص من آثار الشيخوخة و غيرها من الأهداف التي سخّر لها كل طاقاته المادية و الفكرية و العلمية.
لم يصل الإنسان إلى ما يشتهيه و لم يحقق ما يصبو إليه و صار ينتقل من تجربة إلى تجربة و من محاولة إلى محاولة إلى أن ظهرت خلال متابعته و ملاحقته للمستجدات و التطورات العلمية بعض الملاحظات التي أوحت إليه و أبرزت لديه بعض الدلائل على وجود نوعيات نموذجية من الأنظمة الغذائية و الرياضية و النفسية و البيئية يمكن أن تساعد على إطالة العمر أو تأخير الوفاة, عبر تفادي بعض الأمراض القاتلة أو الوقاية منها و من آثارها, كتصلب الشرايين و السرطان و أمراض القلب و الدماغ و الكبد و غيرها. و هكذا أخذ يشحذ الهمم و يضاعف الجهود و الآمال لوضع مخطط أولي لما يمكن أن يمثل الطريق الأسرع لإيجاد " إكسير " الحياة, عبر جمع الغذاء الأمثل بالنشاط البدني الأمثل و الراحة النفسية المثلى و الهوية الجينية المثلى و البيئة الطبيعية المثلى. و ساعده على ذلك إكتشافه, شيئاً فشيئاً و يوماً بعد يوم, لبعض الإرتباطات و العلائق و النظم كالخريطة الجينية للإنسان و بيولوجيا الأمراض الجزيئية و منظومات جهاز المناعة و علاقة بعض الأمراض و العاهات و العلل و الإضطرابات ببعض أنواع الخلل الجيني. كما راح الإنسان يكتشف خواص بعض النباتات و الحبوب و الفاكهة و الخضار في محاربة و مقاومة الأمراض أو الوقاية منها و صار يعتمد على تناولها بشكل دائم أو دوري ليستفيد من خصائصها و معادنها و فيتاميناتها, كالتوت البري و ملفوف البروكولي و الشوفان و فاكهة الكيوي و سمك السلمون و غيرها.
و حصل ما لم يكن في الحسبان إذ توقفت الأنفاس, فجأة, عند مفاجأة كبرى (ُسّميت ب " موت الخلايا المبرمج ") أفرزتها الأبحاث المتعلقة بحياة الخلايا و عمرها و عملها و بّينت أن هناك " برامج " موضوعة في الخلايا تعطيها الأمر أو الإذن أو الإشارة بإنهاء حياتها حسب ما تقتضيه الظروف و المصالح و الأقدار!. و ظهرت في الأفق مفاهيم جديدة مدعومة بالبراهين العلمية و التجارب و الدراسات تقدّم الحياة البشرية, كمثيلتيها في الخلق أي الحياة الحيوانية والحياة النباتية, على أنها " مؤقتة " و " مبرمجة " و " مقدّرة " مما يعني أنها مرتبطة ب " أجلٍ " ما أو أنها " مقدّر " لها أن تنتهي في زمن " مبرمج " أو " محدد " أو " معين ", منذ البداية و حتى النهاية!.
و هكذا و من دون مقدمات صار من المعروف علميا و المثبت تجريبياً, في وقتنا الحالي, أن الخلايا تموت بعد تعرضها لعاملين محددين :
أولا : تلقي ضربات خارجية أو عوامل ضارة تقتل الخلية.
ثانيا : تلقي أوامر داخلية مطالبة بالموت الذاتي أو الموت المبرمج.
تواجه الخلية الموت في هاتين الحالتين بشكل مختلف تماما و بطريقة مغايرة جدا, ففي الحالة الأولى تمر الخلية بتغيرات تتضخم فيها شيئا فشيئا حتى تنفجر و يتسبب انفجارها بجر خلايا المناعة الآكلة إلى مكان تواجدها و القضاء عليها و على بقاياها. أما في الحالة الثانية و هي الأكثر غرابة و دقة و إعجازًا, فإن حجم الخلية يصغر بشكل بارز و تتراكم مكونات النواة على بعضها البعض, ثم تظهر فيها شقوق تتحول إلى أجسام صغيرة ميتة مبعثرة لا تجذب إليها خلايا المناعة لتتولى القضاء عليها - كما في الحالة الأولى - بل تقوم هي بإماتة نفسها أو بالتعرض لما يصفه الباحثون بالإنتحار المبرمج للخلايا.
تحدث ظاهرة الموت الخلوي المبرمج في كثير من الحالات و الأوضاع الحساسة التي يحتاج فيها الجسم إلى تغيرات كبيرة و حاسمة في النمو العضوي أو في عمل الأنسجة و عمليات الأجهزة الدقيقة, إما لإحداث تسريع أو تكثيف في عملها أو لإحداث تراجع أو ضمور فيها حسب ما تستدعيه الظروف و الأوضاع. و تتجلى ظاهرة الموت الخلوي المبرمج بكل مظاهرها المتعددة في مشاهد متنوعة و مختلفة, تتعدد فيها الأسباب من حالة إلى حالة و من ظرف إلى ظرف على امتداد السنين و المراحل من عمر الإنسان حتى تتحقق الأهداف الكامنة من وراء ذلك بشكل دقيق و متوازن و متناسق من دون زيادة أو نقصان. و تبرز أهمية هذه الظاهرة في بعض الأمور الفسيولوجية المصيرية و العوامل التكوينية الأساسية و التغيرات الظرفية التالية :
- إزالة الأنسجة و الخلايا الزائدة في أطراف و أعضاء الجنين لإعطائها الشكل النهائي المعروف, كاندثار الأنسجة و الخلايا الزائدة بين أصابع اليدين و الرجلين عند الجنين قبل ظهور شكلها المعروف و أعدادها الخماسية النهائية.
- إزالة الأنسجة التابعة لغشاء بطانة الرحم الداخلية عند وصول المرأة البالغة إلى مرحلة الطمث من الدورة الشهرية.
- إزالة الحواجز الناشئة عن وجود خلايا زائدة بين الخلايا العصبية في الدماغ لتسهيل عمليات الإتصال فيما بينها.
- تحفيز ضمور الغدد الثديية عند الأم المرضع بعد بلوغ مرحلة الفطام و الحاجة لعودة الأنسجة لحالتها الأولى و حجمها الطبيعي.
- تحفيز الإنتحار الخلوي عند خلايا بعض الأورام السرطانية في بعض الحالات و الظروف.
- إصدار الأوامر الداخلية بالإنتحار أو الموت المبرمج لخلايا المناعة بعد تأدية مهماتها الوظيفية أو لمنعها من مهاجمة أجهزة و أنسجة الجسم الداخلية.
- ألإسهام في ضبط عمليات تسريع تكاثر الخلايا في الأنسجة حسب الظروف و الحاجيات و حسب تطلبات الجسم, خاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة الهرمونات.
- تحفيز إنتحارالخلايا المصابة ببعض أنواع التلوث ألفيروسي و ذلك للحد من انتشار المرض.
- تحفيز موت الخلايا المصابة بآثار رفض الأنسجة المزروعة و ذلك لمنع التلف الناتج عن انتشارها.
- تحفيز موت بعض أنواع الخلايا المصابة بتأثيرات مرضية معينة كالتأثيرات السرطانية و ذلك بعد تعرضها لبعض الإشعاعات أو ألأدوية الخاصة أو بعض درجات الحرارة.
- تحفيز موت الخلايا المصابة بأعطال أو أضرار في أحماضها النووية لتفادي حصول تشوهات خلقية أو تكاثر سرطاني.
بدأ الإنسان, حالياً, بإعادة الحسابات مع أبحاثه و دراساته و اكتشافاته العلمية و التجريبية و أخذ يبادر إلى إجراء التعديلات على مفاهيمه و معتقداته العلمية حول الحياة و الموت و فكرة الخلود في هذه الدنيا و أصبح يقرّ بعجزه عن تغيير المسار الذي ُرسم له منذ البداية و حتى النهاية بتقدير محكم و بحكمة بالغة و بقوة خارقة لا تنفك رموزها إلا لكي تظهر براعة و جمال و إبداع ولطف خالقها!.
* إستشاري أمراض الأنسجة و الخلايا و رئيس شعبة في هيئة الصحة, حكومة دبي.
الأربعاء أغسطس 11, 2010 11:31 am من طرف العشاب
» بشرى سارة سيفتح معشب دار الحكمة قسم اختصاص العقم ومشاكله
الإثنين يوليو 26, 2010 10:51 am من طرف طالبةمغفرامن الله
» مشروب الزنجبيل العجيب
الإثنين يوليو 26, 2010 7:26 am من طرف طالبةمغفرامن الله
» هل تعلم ماهي الاوميغا 3 انها عجب العجاب
الإثنين يوليو 26, 2010 5:34 am من طرف طالبةمغفرامن الله
» وصيه ان التزمت بها فلن تمرض
الإثنين يوليو 26, 2010 5:28 am من طرف طالبةمغفرامن الله
» احذري الملل يزيدك سمنه
الإثنين يوليو 26, 2010 5:14 am من طرف طالبةمغفرامن الله
» احذرو الهاشمي المشعوذ الدجال
الأحد يوليو 25, 2010 2:42 am من طرف العشاب
» الى كافة الاعضاء الجدد يرجى التكرم بزيارة الرسائل التي في اميلك انت من اجل تفعيل حسابك انت
السبت يوليو 17, 2010 3:51 pm من طرف العشاب
» نصائح للوقايه من سرطان الثدي
السبت يوليو 10, 2010 3:58 am من طرف محمد الوزير